يوحنا أنور داود...كاتب مصري متخصص في الشأن الافريقي

"الخير يأتي من هناك" هذه العبارة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسي في أحد المؤتمرات تعقيباً على مطالبات البعض بشن حرب على دولة أثيوبيا أو ضرب سد النهضة، معقباً كيف نفعل ذلك والخير يأتي من هناك؟!

هذه العبارة من أصدق ما قاله الرئيس السيسي.. وهي تعكس وعياً حقيقياً بأمن مصر القومي وأهمية أن لا ننعزل عن قارتنا الإفريقية التي تمثل عمقاًاستراتيجياً لأمننا القومي لوجود منابع النيل الأزرق والأبيض بها كما أنها من الممكن أن تكون سوقاًكبيراً جدا للصناعات المصرية، ومصدراً مهماً ورخيصاً لاستيراد اللّحوم والمواد الخام. مما يساهم إلى حد كبير في التنمية المشتركة بين بلدان القارة.

منذُ قدوم الرئيس السيسي إلى الحكم في مصر منتصف عام 2014 وهو يحاول تدارك أخطاء الماضي بعزل مصر عن محيطها الإفريقي أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مباركالذي قلّت في عهده زيارات الرئيس المصري للدول الإفريقية خاصة بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها في العاصمة الأثيوبية اديس بابا منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى أن شحت تماما في أواخر عهده.

تقريبا 30% من زيارات الرئيس السيسي الخارجية منذ بداية عهدهكانت إلى دول إفريقية. وقد زار  بلاداً كأول رئيس مصري يفعل ذلك. السيسي أول رئيس مصري يزور دولة الجابون عام 2017 وأول رئيس يزور دولة كوت ديفوار على ساحل أفريقيا الغربي عام 2019 وأول رئيس يزور دولة جنوب السودان نهاية العام الماضي وأول رئيس يزور دولة رواندا عام 2017 أحد دول حوض النيل والدولة الصاعدة بسرعة الصاروخ في جميع المجالات الاقتصادية تحت رئاسة رئيسها بول كيجامي.  وقد كان مشهد زيارة الرئيس المصري النصب التذكاري لضحايا الإبادة الجماعية في العاصمة كيجالي ووضعه اكليلاً من الزهور فارقاً وملفتاً.

بالإضافة إلى جيبوتي التي زارها مايو الماضي كأول رئيس مصري وهي دولة ذات موقع استراتيجي مهم مع إشرافها على حركة الملاحة البحرية من مضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر في اتجاه قناة السويس إضافة إلى كونها المنفذ البحري الأهم لدولة أثيوبيا.

في المقابل زار مصر في الفترة الأخيرة العديد من الرؤساء الأفارقة والوفود الأفريقية رفيعة المستوى. مما عزز التواجد المصري داخل القارة عن طريق الزيارات المتبادلة وتقديم الدعم الإنساني والتنموي ودعم مسيرة السلام في أفريقيا وإقامة مشروعات وفروع للجامعات المصرية في أروقة القارة السمراء، أبرزها المساهمة في انشاء سد يوليوس نيريري  أكبر سد فيتنزانيا والشروع في افتتاح فرع لجامعة الاسكندرية في العاصمة الجنوب سودانية جوبا.

فكل هذا أحيا العلاقات المصرية الأفريقية في إطار الدبلوماسية الرئاسية وأعاد مصر إلى أفريقيتها فالتعاون بين دول القارة خاصة بين دول حوض النيل سوف يخلق مجالات تنموية جديدة لهذه الدول   .

ولعل المشروع الأهم الذي أعلنت مصر عن رغبتها فيه على لسان وزير الري محمد عبدالعاطي،  هو تحويل نهر النيل إلى ممر ملاحي بربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط.كذلك مشروع خط سكة حديد يربط بين دول حوض النيل مما يسهل حركة التجارة بين هذه البلدان.  وسيستفيد من هذا المشروع دول حوض النيل الحبيسة التي لا يوجد لها منفذ بحري مثل جنوب السودان ورواندا وبوروندي وأوغندا.بالإضافةإلى أثيوبيا حيث يتم هناك التخلص من كثير من المحاصيل الزراعية دون استفادة بسبب عدم القدرة على تصديرها بوسائل نقل رخيصة  وعدم القدرة على تصنيعها. وهذه المحاصيل تحتاجها مصر مما يساعد على انتعاش حركة التجارة بين دول وادي النيل .

قريباً جداً ستنتهي أزمة سد النهضة على خير أو شر قليل أو كثير.. لكن علينا أن لا ننسى ما حدث وألا نكرر أخطاء الماضي وأن نعي أنّ أمننا القومي مرتبط بمعظمه بقارتنا الأفريقية.  وعلينا أن لا نتنصل من جذورنا الأفريقية فهم أولى بنا ونحن أولى بهم ومصالحنا مشتركة ومصيرنا واحد.

 

يوحنا أنور داود

youhan@[email protected]

كاتب مصري متخصص في الشأن الافريقي